recent
أخبار ساخنة

## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

 

## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

 

**مقدمة الأدب كوثيقة وذاكرة**

 

في خضم التحولات الكبرى والأزمات العاصفة التي مرت بها المنطقة العربية، ولا سيما العراق، برز الأدب كحامل أمين للذاكرة الفردية والجماعية، وشاهدٍ حي على مآسي الإنسان ومعاناته في مواجهة القمع والحروب والاقتلاع. تأتي رواية "ملصقات بيروت" للروائي والكاتب المسرحي العراقي المرموق ماجد الخطيب، الصادرة حديثًا عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق (في 148 صفحة من القطع المتوسط)، لتنضم إلى هذا السجل الأدبي المهم، مقدمةً توثيقًا سرديًا لتجربة مريرة عاشها الإنسان العراقي في ظل ظروف تاريخية وسياسية بالغة القسوة، وتحديدًا خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية وتبعاتها الممتدة.


تتخذ الرواية من شخصية "مالك الحزين" محورًا لها، لتأخذ القارئ في رحلة محفوفة بالمخاطر، تتأرجح بين غريزة البقاء والرغبة المحمومة في الهروب من مصير مظلم. ومن خلال هذه الرحلة الفردية، ينسج الخطيب شبكة معقدة من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، راسماً صورة بانورامية لزمن تحول فيه الوطن إلى جحيم، والمنفى إلى ملاذ هش ومحفوف بالأخطار بدوره.
## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

تتخذ الرواية من شخصية "مالك الحزين" محورًا لها، لتأخذ القارئ في رحلة محفوفة بالمخاطر، تتأرجح بين غريزة البقاء والرغبة المحمومة في الهروب من مصير مظلم. ومن خلال هذه الرحلة الفردية، ينسج الخطيب شبكة معقدة من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، راسماً صورة بانورامية لزمن تحول فيه الوطن إلى جحيم، والمنفى إلى ملاذ هش ومحفوف بالأخطار بدوره.

**الهروب الأبدي رحلة بلا عودة من "أرض السواد"**

 


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

يمثل قرار السفر عادةً مزيجًا من الترقب والقلق،

 ولكنه يحمل في طياته وعد المغامرة والتجديد، مع بقاء أمل العودة كخيط رفيع يربط المسافر بوطنه. لكن هذه المعادلة تنقلب رأسًا على عقب في حالة "مالك الحزين". سفره ليس خيارًا ترفيهيًا أو بحثًا عن فرصة، بل هو فرار مصيري، رحلة باتجاه واحد لا رجعة فيه. إنه يغادر عراقًا أنهكته الحرب الطاحنة مع إيران، وخنقته قبضة القمع السياسي للنظام الحاكم آنذاك.

 

  • يكشف السرد عن الخلفية المأساوية للبطل: طالب في كلية الطب تم فصله، ليجد نفسه جنديًا في جيش
  •  يخوض حربًا عبثية. ولكن انتماءه السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الذي كان مستهدفًا من قبل
  •  السلطة، يجعله عرضة للخطر المباشر. فتجميد التحاق الجنود الشيوعيين بالجبهات لم يكن حماية لهم
  •  بقدر ما كان تمهيدًا لتصفيتهم أو اعتقالهم. هروب مالك، إذًا، هو تحدٍّ لهذا المصير المحتوم، ومحاولة
  •  يائسة للنجاة من حكم إعدام شبه مؤكد.

 

تُفتتح الرواية بتأمل عميق حول رمزية السفر في حالة البطل: "ربما كان المسافر الوحيد بلا حقائب... أصبحت الحقائب رمز السفر والهجرة والمنفى، لكن في حالته كانت رمز خلاص من مستقبل أسود ينتظره في أرض السواد" (ص7). هذه العبارة المكثفة تلخص مأساة جيل بأكمله أُجبر على التخلي عن كل شيء – الماضي، الممتلكات، وحتى أبسط رموز الرحيل كالحقائب – في سبيل البحث عن فرصة للحياة، ولو في المجهول.

 

**بيروت 1979 واحة الحرب ومدينة التناقضات**

 


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

تختار الرواية مدينة بيروت عام 1979 مسرحًا رئيسيًا لأحداثها. 

هذا الاختيار ليس اعتباطيًا؛ فبيروت في تلك الفترة كانت تمثل مفارقة صارخة: مدينة تنبض بالحياة الثقافية والفكرية، وتُعتبر ملاذًا للمثقفين والسياسيين العرب الهاربين من أنظمتهم، لكنها في الوقت ذاته كانت غارقة في أتون حرب أهلية مدمرة قسمت المدينة وشلت الحياة فيها.

 

  1. يتنقل السرد ببراعة بين أزقة بيروت وشوارعها النابضة بالحياة رغم الحرب، فيصور المقرات
  2.  الفلسطينية التي كانت تعج بالنشاط السياسي والعسكري، والحانات والمطاعم التي شكلت ملتقيات
  3.  اجتماعية وثقافية، ودور السينما التي كانت تعرض أحدث أفلام هوليوود، مقدمةً بذلك نافذة هروب
  4.  مؤقتة من الواقع المرير. يصف الكاتب دهشته من أناقة بعض دور السينما مقارنة بفوضى الوضع
  5.  العام: "فاجأتني دور السينما ببيروت بأناقتها... الذهاب إلى سينمات بيروت، حيث تُعرَض أفلام
  6.  هوليوود الجديدة بسرعة لا تتناسب مع فوضى الوضع" (ص42). هذا التناقض يعكس حالة الانفصام
  7.  التي عاشتها المدينة وسكانها، حيث تتجاور مظاهر الحياة الطبيعية مع أهوال الحرب اليومية:
  8.  القصف، الاشتباكات، رصاص القناصين الذي يحصد الأرواح عشوائيًا.

 

لا يقتصر تصوير بيروت على الجانب المكاني، بل يمتد ليشمل الجو العام المشحون بالتوتر والخوف، والشعور الدائم بالاغتراب والموت المتربص. يستخدم الخطيب السخرية السوداء بمهارة للتعبير عن هذه الحالة، كما في مشهد انتشاء الرفاق بأغاني فيروز العذبة في خضم الخراب والفوضى، مما يبرز المفارقة المؤلمة بين الحلم والواقع، بين الجمال والقبح.

 

**"ملصقات بيروت" هشاشة الوجود في زمن العنف**

 


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

يحمل عنوان الرواية، "ملصقات بيروت"، دلالة رمزية عميقة تتجاوز المعنى الحرفي. 

الملصقات التي كانت تغطي جدران بيروت في تلك الفترة لم تكن مجرد إعلانات أو بيانات سياسية، بل كانت في كثير من الأحيان صورًا لـ "شهداء" جدد يسقطون يوميًا في معارك الحرب الأهلية أو ضحايا الاغتيالات السياسية. يتحول الإنسان في هذا السياق إلى مجرد ملصق، صورة مؤقتة سرعان ما تتلاشى أو تُغطى بصورة أخرى، في دورة عنف لا تنتهي.

 

  • يتجسد هذا المعنى المأساوي في مصير شخصية "خالد العراقي"، الذي يُغتال بكاتم صوت على أيدي
  •  عملاء النظام العراقي. اغتياله لم يكن حادثًا معزولًا، بل جزءًا من حملة تصفيات ممنهجة نفذتها
  •  المخابرات العراقية، بالتعاون مع فصائل فلسطينية موالية لحزب البعث، ضد المعارضين العراقيين
  •  الذين انخرطوا في صفوف المقاومة الفلسطينية في بيروت، ومن ضمنهم بطل الرواية "مالك
  •  الحزين" نفسه، الذي يعيش تحت تهديد دائم. موت خالد وتحوله إلى مجرد "ملصق" آخر على جدران
  •  المدينة يعكس هشاشة الوجود الإنساني في هذا الواقع العنيف والمضطرب، حيث تُختزل حياة الفرد
  •  ونضاله وقضيته إلى صورة باهتة تُمحى بمرور الوقت أو بفعل ملصق جديد لضحية جديدة.

 

**السرد الواقعي وصدق التجربة الشخصية**

 


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

تتميز "ملصقات بيروت" بنبرة سردية تميل بقوة نحو الواقعية،

 حتى ليخالها القارئ أقرب إلى جنس المذكرات أو السيرة الروائية منها إلى العمل الروائي المتخيل بالكامل. يتحدث الكاتب بضمير المتكلم أحيانًا، أو من خلال منظور قريب جدًا من بطله، عن تجربة شخصية محفوفة بأقصى درجات الخطر. هذا القرب من التجربة الذاتية يمنح النص صدقًا وقوة تأثير كبيرين.

 

  • لا يتردد الخطيب في توثيق رحلته الفعلية من بغداد إلى بيروت في ظل ظروف استثنائية، ويملأ
  •  روايته بأسماء حقيقية لشخصيات سياسية وثقافية معروفة، مما يعزز الإحساس بالواقعية ويجعل
  •  الرواية وثيقة تاريخية إلى جانب كونها عملاً أدبيًا. كما أنه يكسر بعض التابوهات الاجتماعية
  •  والسياسية، متحدثًا بصراحة عن العلاقات الإنسانية، التجارب الشخصية، والمواقف السياسية المعقدة
  •  التي واجهها العراقيون في المنفى، سواء داخل تنظيماتهم أو في تعاملهم مع الفصائل الأخرى.

 

تتجلى هذه الواقعية أيضًا في تصوير المشاعر الإنسانية المرتبكة والمعقدة للبطل. فالأحلام التي تراوده ليست مجرد هلوسات، بل تُوظف كآلية دفاع نفسية في مواجهة واقع قاسٍ. حلمه بأنه طائر مثقل بحقائب السفر يرمز بوضوح إلى حالة التيه والضياع، وثقل عبء الماضي والمستقبل المجهول.

 

**صراع البقاء وأسئلة المنفى**

 


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

تغوص الرواية في أعماق النفس البشرية المنفية، مستكشفةً الصراع الأزلي بين غريزة البقاء والحنين إلى الوطن،

 بين ضرورات الهروب ومرارة الاغتراب. يعيش "مالك الحزين" حالة من التمزق الداخلي، فهو يدرك خطورة العودة، لكنه لا يستطيع التخلص من إحساسه بالانتماء إلى "العش الأول". تتجلى هذه المعاناة في مونولوج داخلي يكشف عن حجم الكذب الذي يمارسه الإنسان على نفسه في المنفى ليتمكن من الاستمرار:

 

  • "أكذب على نفسي وأقول إني أعيش في المهجر بأمان... أكذب على نفسي... أقول دائماً إني بخير في
  •  المنفى، وأكذب وأقول إني لا أفتقد الأهل والأحبة... أكذب على نفسي وأقول إني أعيش في المنفى
  •  بأمان! أكذب على نفسي وأمني النفس بالعودة إلى العش الأول".

 

هذه الكلمات تعبر عن ألم عميق وحقيقة مرة يعيشها الكثير من المنفيين: الإحساس الدائم بالنقص، ومحاولة إقناع الذات والآخرين بأن الحياة في المنفى طبيعية ومستقرة، بينما القلب يظل معلقًا بالوطن، والذاكرة مثقلة بالجراح. تطرح الرواية من خلال ذلك أسئلة جوهرية حول الهوية والانتماء في سياق الاقتلاع القسري، وتداعيات الصدمة السياسية والاجتماعية على الفرد.

 

**خاتمة رواية كصرخة وشهادة**

 


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية

في نهاية المطاف، تمثل "ملصقات بيروت" لماجد الخطيب أكثر من مجرد سرد لتجربة ذاتية قاسية.

 إنها صرخة جيل كامل من العراقيين الذين وجدوا أنفسهم ممزقين بين مطرقة النظام القمعي في الداخل وسندان الحروب والفوضى في المنافي القريبة والبعيدة. الرواية هي شهادة أدبية وتاريخية قيمة، توثق لمرحلة حرجة من تاريخ العراق المعاصر، وتلقي الضوء على المآسي الإنسانية العميقة التي خلفتها الصراعات السياسية والحروب في المنطقة.

 

بأسلوبها الواقعي الصادق، ولغتها التي تمزج بين المرارة والسخرية، وتركيزها على التفاصيل الإنسانية الدقيقة، تنجح "ملصقات بيروت" في نقل القارئ إلى قلب معاناة المنفى، وتجعله شريكًا في رحلة البحث عن الخلاص في زمن انعدمت فيه سبل النجاة. إنها إضافة مهمة للمكتبة العراقية والعربية، تستحق القراءة والتأمل في دروسها الإنسانية والتاريخية العميقة.


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية


عناصر موضوع ملصقات بيروت

1.  **ملصقات بيروت** (عنوان الرواية)
2.  **ماجد الخطيب** (اسم المؤلف)
3.  **رواية عراقية** (الجنسية والجنس الأدبي)
4.  **أدب المنفى** (التصنيف الموضوعي الرئيسي)
5.  **الحرب الأهلية اللبنانية** (السياق التاريخي والمكاني الرئيسي)
6.  **الحرب العراقية الإيرانية** (السياق التاريخي المؤثر)
7.  **بيروت** (المكان الرئيسي للأحداث)
8.  **العراق** (بلد المنشأ والصراع)
9.  **مراجعة رواية** / **نقد أدبي** (نوع النص)
10. **هروب** / **اغتراب** / **معاناة** (ثيمات رئيسية)

11. **ذاكرة عراقية**
12. **هوية وانتماء**
13. **قمع سياسي**
14. **الحزب الشيوعي العراقي**
15. **اغتيالات سياسية**
16. **واقعية أدبية**
17. **سيرة روائية** / **مذكرات**
18. **أدب عربي معاصر**
19. **تاريخ العراق المعاصر**
20. **تاريخ لبنان المعاصر**
21. **مالك الحزين** (اسم البطل - قد يبحث عنه قراء الرواية)
22. **الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق** (جهة النشر)
23. **لاجئون عراقيون**
24. **المقاومة الفلسطينية في لبنان** (سياق فرعي مهم)
25. **صدمة الحرب**


## "ملصقات بيروت": شهادة روائية على جراح المنفى العراقي وصخب الحرب الأهلية


google-playkhamsatmostaqltradent